أكد الأمين العام لمؤسسة الأوقاف وشؤون القصر بدبي السيد طيب الريس ضرورة إثبات قدرة الأوقاف على الاندماج في المجتمعات المعاصرة والتعامل مع ما تفرزه من تحديات اجتماعية جديدة.
وكشف بأن البنك الإسلامي للتنمية قدّر أموال الأوقاف حول العالم بأكثر من 1.9 تريليون دولار من الأصول تحت الإدارة، مبيناً في مقال نشر له بصحيفة “الحياة” بأن هذا مؤشر الى إمكانات قطاع الأوقاف الهائلة، ليس لدفع نمو الاستثمار المؤثر فحسب، ولكن أيضاً لدفع مجال التمويل الوقفي للمشاريع الإنتاجية في العالم أجمع، وفي شكل خاص في الدول الإسلامية التي تعاني غياب التنمية وتفشي البطالة والفقر. والتحدي المتبقي يتمثل في كيفية تسييل قدر كافٍ من هذه الأصول وفي كيفية إدارة الثروة الناجمة عن التسييل بما يخدم توسيع قاعدة الاقتصاد الأخلاقي الذي تشكل الأوقاف أحد مقوماته الأساسية.
وأوضح الريس معظم الدراسات التي تناولت مسيرة الوقف التاريخية، ركزت على الجوانب الخيرية والإنسانية فقط، وفي بعض الأحيان، كانت تتطرق لدور الوقف التنموي الاجتماعي والاقتصادي الذي يمارسه بتوظيف الأموال والأصول لتعزيز البنية الإنتاجية والتجارية والخدماتية للدولة، مشيراً إلى أن هذه الدراسات لم تتطرق إلى الدور الكبير لوقف الأموال في معالجة ظواهر مالية سلبية مثل التضخم وغلاء الأسعار واختفاء السلع وضعف القدرة التشغيلية للمؤسسات. فدوره في هذا السياق لا يقل أهمية عن دوره في رعاية المحتاجين وتحقيق مقاصد الشريعة التي تحض على التكافل الاجتماعي بين المواطنين، بل بين البشر مع اختلاف جنسياتهم وعقائدهم في شكل عام.
وأضاف بأنه في ظل التعقيد الذي تشهده أسواق المال العالمية اليوم، تبرز أهمية وقف الأموال على وجه التحديد، لأنها تساعد في ضبط قوانين القطاع المالي وحماية الأسواق من الأزمات والحفاظ على التوازن بين حجم المال المتداول وكمية السلع المطروحة في مقابله، هذا التوازن الذي يتفق المنظرون الاقتصاديون على أهميته في تنشيط حركة الاقتصاد العالمي وتعزيز إنتاجيته وحمايته من الأزمات.
واستعرض الريس في المقال الأثر الإيجابي للوقف في ضبط مستويات العرض والطلب في الأسواق، وفي الحد من التضخمات وبناء ثقافة استهلاكية إيجابية تتناغم مع قوة إنتاج المجتمع ولا تتجاوزها، مبيناً بأن قضية وقف الأموال شهدت خلافاً تاريخياً بين الفقهاء، إلا أنها حسمت لمصلحة مشروعيتها شرط أن تتحول الأموال الموقوفة إلى أعيان، أي أصول ومشاريع تدّر عائدات يصرف الجزء الأكبر منها على الفقراء ويوظَّف الجزء المتبقي لتنمية هذه الأصول وصيانتها.
وأشار إلى أن إن الشروط الشرعية التي رسمت إطار التصرف بالأموال الموقوفة ساهمت في شكل مباشر في صيانة القطاع المالي وحماية الأسواق من التضخمات، لأن الأموال الموقوفة خرجت من دائرة التداول التقليدية، أي دائرة استهلاك السلع غير الأساسية، وخففت من حجم السيولة المعطلة في الأسواق وسحبت جزءاً كبيراً من السيولة المستخدمة في المضاربات المالية والمراهنات على أسعار العملات والمعادن الثمينة ووجهتها نحو مجالات التشغيل الشرعية للثروة، اي الإنتاج الحقيقي للسلع والخدمات والأصول.
وقال في مقاله: إن قضية وقف الأموال تتخذ أهمية خاصة في ظل ما نراه من متغيرات على ساحة الاقتصاد العالمي، وفي ظل ما يعانيه الكثير من الدول الإسلامية بسبب عدم توظيف الثروات والموارد بالطريقة التي تخدم أوسع قطاع ممكن من الجمهور.